بقلم أ. وفاء الخوالدة
لمتابعة الكاتبة على مواقع التواصل :
قالت لي أمي يومًا: “إن الإنسان لا يحتاج من الإنسان الآخر طعامًا ولا مالًا ولا بيتًا ولكنّه يحتاج كلمة طيبة فقط”. نحن لا نذُكر من الآخر سوى معاملته لنا، نذكرُ الكلمة الطيبة والذوق في التعامل واللباقة في الاعتذار والرقي في الفعل، فنقول: “رحم الله فلان كان يفعل كذا” لا نذكر ماذا يملك ولا أين عاش ولا منصبه ولا شكله ولا عرقه ولا جنسه ولا دينه، لا نذكر منه إلا فعله.
قيمة الإنسان تكمُن في فعله وخُلقه ومعاملته مع الناس، الله برحمته أنزل آية على رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تُلخص منهج الحياة في التعامل كما يجب أن يكون، « فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ » (آل عمران:159)
الآية الكريمة وضعت منهجًا جليًا لرسم ملامح الشخصية المسلمة بلين الجانب والرحمة بالتعامل والبُعد عن فظاظة اللسان وسوء الحديث وغلظة القلب التي ما تلبث أن تظهر في التعامل بالابتسامة الزائفة والكلمات المصطنعة، وكل ذلك سرعان ما يؤدي إلى كسب قلوب الناس لا تنفيرها وكسر نفوسهم.
“والمرء بالأخلاق يسمو ذكره
وبها يُفضّل في الورى ويوقّر”
فالمرء يسمو بخُلقه وحُسن تعامله مع الناس، في العمل وفي الدراسة وفي الشارع وفي البقالة، فكل من يُقابلك له الحق في أن تُعامله بذوق واحترام تطبيقًا لأوامر الله عز وجل واقتداءً بالرسول الكريم فقد كان صاحب خُلقٍ،عُرفَ بصدقه وأمانته ورحمته وشجاعته وعدله وسمات لا حصر لها هنا وكيف لا وهو خاتم الأنبياء ومن اقتدى بفعله كلّ صحابي حوله، وقد كان رسول الله مثالًا يُقتدى به في التواضع، فعلى الرغم من عظيم مكانته إلا أنه كان أبعد الناس عن الكبر، فقد كان عليه الصلاة والسلام يجلس بين أصحابه حتى كان يأتي الرجل الغريب فلا يميزه من بينهم حتى يسأل عنه، فيقول أبو هريرة رضي الله عنه:”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهري أصحابه فيجيئ الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعل له مجلسًا يعرفه الغريب إذا أتاه”.
وهذا الخُلق يكاد لا يظهر في حياتنا في الحاضر ولا يعرف له كثير من الناس طريقًا، ويظنون أن الكبر من كمال شخصياتهم لكن الرقي، كُلّ الرقي في التواضع، والتسامح، والمودة واللين في التعامل، يقول أحمد شوقي:
“صلاح أمرك للأخلاق مرجعه
فقوّم النفس بالأخلاق تستقم
والنفس من خيرها في خير عافيةٍ
والنفس من شرها في مرتعٍ وخم”
وقد تم تعريف التعامل برقي أو ما يسمى “بالإتكيت” بأنّه:” أدب السلوك الاجتماعي، أي التصرف بلباقة لتترك للشخص الآخر انطباعًا بأنك راقٍ في سلوكياتك”، وقد قدم خبير فن الإتكيت العالمي جون هاريس الكندي العديد من الأفعال السلوكية التي تجعل منك شخصيةَ راقيةً تتسم باللباقة والاحترام، منها:
– اللباقة في التعامل مع الأصدقاء الجدد والبعد عن طرح مواضيع شائكة معهم.
– الاستئذان دائمًا قبل طلب أي طلب، والإكثار من ألفاظ: “لوسمحت، شكرًا، عفوًا”.
– عدم التحديق بالآخرين في الأماكن العامة.
وهناك الكثير من تلك الأفعال السلوكية ومما لا حصر لها هنا، التي تُضيف لشخصها رُقيًا ومكانةً بين كل من يعامله ويعرفه، فكم من صاحب منصب مرموق لم يدم بمنصبه نتاج سوء خُلقه وتعامله، وتذكر قول حافظ إبراهيم :
“فإذا رُزقت خليقةً محمودةً
فقد اصطفاك مقسم الأرزاق
والعلم إن لم تكتشفه شمائلٌ
تُعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده
ما لم يتوّج ربُّه بخلاق”