بقلم أ. وفاء الخوالدة
لمتابعة الكاتبة على مواقع التواصل :
الواحد منّا لا يملك بعد انتهاء كل فصل بمشقتّه وتعبّه أن يحزم حقائب سفره ويذهب إلى بلادٍ أخرى -وكم نتمنى ذلك- ليجدد العهد مع ذاته ويخلّص روحه من ما اعتراها من أرقٍ وسهر..
وهي مطلَبٌ بشري يتمناه كل إنسان بطبعه، لكن، عندما لا تتوفر الإمكانيات ولا المعطيات الكافية لتحقق مثل هذه الرغبة فعلى الإنسان أن يهرب بروحه وذاته إلى مكان بعيـد وهو في ذات المكان في نفـس الوقت؛ هل جننت؟
لا، إنما ما أقصده و أعنيه أن الإنسان يمتلك طريقة يُسافر بها لعوالم بعيدة، بعيدة بما يكفي ليعزز قدرته على المضي أكثر، يُعيد شحذ همته، وعزم قوته، ويجدد إرادته لكي يمتلك ما يكفي من الزاد ليمضي أكثر وأكثر..
وما رأيت شيئًا يبعث التقاعس في الهمة وإهمال القوة والتواني في الإرادة كما الــفــراغ..
“إن الطبيعة تمقت التعطل وكل فراغ يتواجد في الحياة يمتلئ من تلقاء نفسه بالهم والشقاء” (مصطفى محمود)
فلو غابت المعطيات في أن تكون في عالمٍ مختلف صبيحة يوم عطلتك، فقد توفرت معطياتٌ أخرى وطرقٌ في يدك، مُتاحةٌ نُصب عينيك لتأخذ روحك وعقلك في نُزهة تُعيد لكيهما طاقته ونشاطه..
أولا عليـك بكتابة خطّة لعطلتك، تلك التي ستسافر بك إلى فضاءٍ غير مرئي لأحدٍ سواك، ومع علمي ومعرفتي أن العطلة في غالب الأمر قصيرة، وليست كافيّة لكي نتمكن من بناء أنفسنا لفصل جديد حتى، لكن الـفــراغ تهديمٌ وانهيار..
إن الشباب والـفــراغ والجدة مفسدةٌ للمرء أيّ مفسدة (ابو العتاهية)
للمزيد من المقالات من هنا
اجعل لخطتك سلم أولويات واختر عدة مواضيع واجعلها منوعةً بين دينيةٍ تشمل قرآنك وقيامك وعلاقتك بالله، وبين ثقافية بقائمة جديدة من كتب ومقالات، وترفيهية برسوماتك وهواياتك ومتابعة أفضل أفلامك، واجتماعية بزيارتك وتواصلك مع من تُحب، ولا تنسى فعل خير يمنحك سعادة بشعور العطاء والرضا عن نفسك..وما إلى آخره من ما لا حصر له هنا..
فكل ذلك سبيل لسعادتك، “الطريقة الوحيدة لتجنب التعاسة أن لا يكون لديك وقت فراغ تسأل فيه نفسك فيما إذا كنت سعيدًا أم لا” جورج برنارد شو(فنان، ناقد، كاتب مسرحي، صحافي)
اجعل ذلك في برنامج واضح الرسم والخط واجعله في مكان تشاهده في كل صباح، واضعًا أهدافك في عين التحقيق، مما يُحفزّ عقلك على العمل عليها دون شعورك بثقل أو تكاسل..
وخير ما تبدأ به خطتك،أن تجعل للقرآن نصيباً وافرًا من الاهتمام، بالقراءة والحفظ فكل آية تحفظها أو تستدرك حفظها وكل ركعة بسجودٍ يطول فيه دعاءك وملازمتك لأذكار صباحك ومسائك نور يُحيط بهالتك ويحفظك ويرزقك الإلهام والهدوء.
ولم أرى شيئًا يهذب النفس ويروّح عن العقل والروح بعد القرآن كما الكتاب، فالقراءة وحدها ما تجعلك تتمكن من السفر إلى بلدان عديدة ومعرفة عادات وطقوس مُدن كثيرة، “بإمكانك أن تشعر بصقيع موسكو، وتشم رائحة زهور امستردام، وروائح التوابل الهندية في بومباي، وتتجاذب أطراف الحديث مع حكيم صيني عاش في القرن الثاني قبل الميلاد، بإمكانك أن تفعل كل هذه الأشياء وأكثر عبر شيئ واحد: القراءة. الذي لا يقرأ لا يرى الحياة بشكل جيّد”
وبكل كتاب يصوّر حال أمة أو يكشف لك لغزًا أو يصور بلدًا بطبيعته وحال أهله، وبكل فيلم يجعل عقلك يعمل في تركيب المشاهد ونقده وتقييم ماهيته واستخلاص الفكرة والغاية منه، وبكل عطاء لا محدود تفعله وبكل ابتسامة تمنحها لكل صباح، لعائلتك، لأحبائك، لمن ما زالوا بجانبك..تمنح جسدك بكل هذا محاولة جديدة ليبقى مُهيّأً لكل جديد، منفتحًا، مترنمًا، كما لو سافرت بعقلك للامكان واللازمان فتعود، تعود، ولكن لست كما ذهبت..
لا لست كما، سافرت، ليس كما هربت.