الصدق سبيل النجاة مقولة تأتي على مسامعنا وفيها الكثير من الحقيقة، الكبير يعرفها ويفهم مغزاها، لكن ماذا عن الصغير؟ كيف نجعله يستشعر بها ويدركها، ويطبقها ما فيها في حياته؟ كيف نجعل فضيلة الصدق ملازمة له؟ هذا ما سنعرفه في هذا المقال؟
الصدق سبيل النجاة
بما أن الصدق أحد الفضائل ذات الأثر العظيم على حياة الفرد والمجتمع ككل،
وينال المؤمن من خلال تعوده على الصدق أعلى درجات الإيمان،
لذا كان لابد علينا أن نربي أبنائنا على أهمية الصدق في حياتهم فمن خلاله تستقيم أمورهم ويستقيم الناس.
يقول مصطفى محمود “إن حضارة الإنسان وتاريخه ومستقبله رهن كلمة صدق وصحيفة صدق وشعار صدق، فبالحق نعيش، وليس بالخبز وحده أبدًا”
ولا مدح ما لم يمدح المرء نفسه بأفعال صدق لم تشنها الخسائس
وقال الحسن بن علي بن أبي طالب
“مكارم الأخلاق عشر منها: صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم”
إن أول ما يتساءل عنه الطفل عند ذكر كلمة الصدق هي ما هو الصدق؟ عندها لابد أن نجيب عليه أن الصدق هو أن قول الحق ومطابقة قولنا للواقع، وأن الله أمرنا –عز وجل- بالصدق حيث قال في كتابه الكريم « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» [التوبة:119].
والصدق ضده الكذب وهو طريق الخير وأهم صفات المؤمنين، وقد ذكره الله كأحد أوصاف أهل الجنة،
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم حثنا على الصدق وأخبرنا أنه يهدي للبر.
الصدق في القرآن والسنة
أمرنا الله عز وجل في كتابه الكريم وسنة نبيه بالصدق وحثنا عليه في معاملاتنا،
وهناك الكثير من الأدلة في القرآن الكريم وفي السنة ما يُظهر أهمية الصدق فإن الصدق سبيل النجاة.
يقول الله تعالى: « قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» [المائدة: 119].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“إنَّ الصدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنة، وإنَّ الرجل ليصدق حتى يكون صِدِّيقًا، وإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النار، وإنَّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّابًا” رواه البخاري (6094)، ومسلم (2607).
هنا يحثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على الصدق ويبين فضائله في كونه طريق البر والبر طريق الجنة،
وحذرنا من الكذب وتساهلنا فيه وبالتالي نقع فيه دائمًا حتى نصل إلى الفجور والذي طريقه النار.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك في الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة”
رواه أحمد (2/177) (6652)، والبيهقي في (شعب الإيمان) (6/449).
وعلى كل أب وأم عندما يذكر آية قرآنية أو حديث نبوي أن يقوم بشرحه بطريقة مبسطة لطفله حتى يصل المعنى لذهنه بكل سهولة.
ثمرات الصدق على الفرد والمجتمع
أخي الكريم/ أختي الكريمة عندما تتحدث مع أطفالك عن فضيلة من الفضائل كالصدق وتذكر لهم أن الصدق سبيل النجاة
لابد من أن تبين لهم مدى أهميته وثمراته على الفرد والمجتمع، يمكنك أن تعدد تلك الثمرات كالآتي:
- تحقيق عبودية الإنسان لربه وإخلاصه له وطاعته لنبيه صلى الله عليه وسلم.
- الله يحب الصادقين ويثني عليهم ووعدهم بالجنة جزاء صدقهم.
- في الصدق الطمأنينة والراحة النفسية والنجاة في الدنيا وفي الآخرة.
- يثني الله على الصادق في الملأ الأعلى.
- يثني الناس في الدنيا على الشخص الصادق ويحبوه.
- الإنسان الصادق تتحصل له البركة العاجلة وكذلك الآجلة.
- يعظم قدر الصادق وتعلو مكانته ومنزلته بمجتمعه.
- في الصدق داوم لصلة الإنسان بربه.
- الصدق يجعل صاحبه يلتزم بعهده ويفي بوعده.
- حسن خاتمة الصادق بإذن الله.
لمتابعة المزيد من سلسة تربية الاطفال
قصة الصدق سبيل النجاة
ما أروع أن يعقب كلامنا عن الصدق وذكرنا لآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قصة جميلة مبسطة لأطفالنا
من خلالها يصل لأذهانهم مدى صحة مقولة الصدق سبيل النجاة، فالأطفال من شأنهم يحبون أن تقصوا عليهم وتحكوا لهم،
لذا جئنا إليكم بقصة جميلة وهي قصة الصدق سبيل النجاة.
الصدق نجاة
والتي تحكي أن رجًلا أراد في إحدى الأيام السفر لمكان بعيد لطلب العلم،
وقد ربته أمه منذ نعومة أظافره على قول الصدق وعدم الكذب أبدًا،
وعندما أراد أن يشد رحاله ذهب ليودع أمه قبل سفره، فأوصته بالصدق في كلامه وفي أفعاله،
وبايعته على الصدق وعدم الكذب أبدًا مهما حدث، فبايعها، وأعطته أمه مبلغًا من المال خمسون دينارًا فأخفاها بملابسه حتى لا يراها أي لص.
وبينما هو في طريقه مع إحدى القوافل التي تسافر لطلب العلم خرج عليه هو ومن معه قطاع طرق، سرقوا كل شيء،
وبعد أن انتهوا لمح كبيرهم الرجل الصادق الذي بايع أمه على قول الصدق دائمًا واقفًا،
فنظر إليه ثم أشار إليه وسخر قائلًا: انظروا لهذا الرجل الفقير الضعيف القديمة ملابسه،
ثم نادى كبيرهم عليه فاقترب منه في وجل وخوف.
قال الرجل لكبير اللصوص: ماذا تريد مني؟ نظر إليه اللص وضحك بسخرية وهو يقول: هل معك نقود؟
فأجابه الرجل وقال: نعم معي خمسون دينارًا قمت بإخفائها في ملابسي،
غضب اللص من الرجل فقد ظن أنه يسخر منه ويكذب عليه،
فأمر رجاله بتفتيشه وهدده بأنه إن كان يكذب ويسخر منه فالويل له.
قال الرجل: أنا لا أكذب أبدًا، ما قلته هي الحقيقة معي من المال خمسون دينارًا،
غضب اللص منه جدًا فقام بتفتيشه بنفسه،
وبالفعل عثر على المال معه، فتعجب كل العجب، ثم سأله: لماذا أخبرتني عن مالك،
وما الذي جعلك تصدق في حديثك معي، على الرغم من معرفتك بأني سوف أسرقه منك.
قال له الرجل: لقد بايعت أمي على قول الصدق وعدم الكذب أبدًا، ولن أخون عهدي مع أمي،
تأثر كبير اللصوص بكلامه وبكى بشدة،
وقال له: أنت تخشى خيانتك لعهدك مع أمك، وأنا أخون عهدي مع الله وأقطع طريق الناس وأسرق أموالهم،
أشهدكم جميعًا بأني تبت إلى الله ومن هذه اللحظة لن أعود للسرقة مرة أخرى.
ثم أمر رجاله برد الأموال لأصحابها، وتاب رجاله معه، وبهذا حلت بركة الصدق على صاحبها وعلى الجميع.
نماذج من الصدق في الإسلام
من أهم النماذج الإسلامية في فضيلة الصدق والتي ينبغي أن تذكرها لأطفالك قصة كعب بن مالك في غزوة تبوك والذي نجا بالصدق، فعندما تخلف عن غزوة تبوك، ولم يخرج مع النبي جاء المتخلفون المنافقون يعتذرون للرسول صلى الله عليه وسلم كذبًا، فيعذرهم ويوكل أمرهم لله، فلما جاءه كعب سأله عن سبب تخلفه، فصدقه كعب في حديثه وقال: ما كان لي من عذر، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك” وكان معه رجلين مؤمنين قد تخلفا أيضًا، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم الجميع عن الكلام معهم، حتى أنه أرسل لكعب بأن يعتزل امرأته، وبعد خمسون ليلة جاءته البشرى وأنزل الله فيه آيات من كتابه الحكيم بقبول توبته، فقال كعب: يا رسول الله إنما نجاني الله بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت”.
وفي الختام فقد كان في مقالنا الصدق سبيل النجاة من الثمرات والفوائد التي يمكن لنا ولأطفالنا الاستفادة منها، ونرجو أن نكون قد وفقنا في حديثنا هذا وحاز موضوعنا على إعجابكم.
المصادر
- القرآن الكريم
- صحيح البخاري ومسلم
- شعب الايمان ، البيهقي