بقلم أ. وفاء الخوالدة
لمتابعة الكاتبة على مواقع التواصل :
العلاقاتُ الإنسانيةُ على اختلافها من صداقةٍ وزواجٍ حاجةٌ إنسانية مُهمة قبل أن تكون رغبة، وقد وضع الإسلامُ في كتابه الكريم والسنّة النبويّة منهجًا واضحًا لقيامِ هذه العلاقات بالشكلِ الأنسبِ والأكمل.
والخصام في هذه العلاقات شيئ مؤكد، لا يعدو عن كونه وقت طبيعي يمر فيه كل طرفين على اختلاف علاقاتهم.
والأشخاص عادةً يعرفون كيفية التعامل في كل الأوضاع لكن ما إن يحدث الخصام بين كليهما يقفون عاجزين عن التصرف تجاه هذا.
وللخصام آداب يجب أن لا يتم تجاهلها ونسيانها، وبرجوعنا إلى السنة النبوية ونهج نبينا الكريم، قال صلى الله عليه وسلم:” لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.”
ونرى أن رسولنا الكريم قد تحدث عن أهمية مدة الهجر، وفي ذلك حكمة؛ فعند طول مُدة الهجر يعتادُ الإنسان غياب الآخر، ويألف فقدانه ويوسوس له الشيطان في داخله، فيزيد حقده وكرهه تجاه الآخر، ويبدأ بالتفكير في كل الاحتمالات والسيناريوهات السيئة عنه، غير آبهٍ بأن الله عز وجل نهى عن الخصومة في كتابه الكريم ونهى عن الفُجر في الخصومة وسمى ذلك لددًا، قال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ».
الألد، شديد اللدد أي الجدال والمعنى أنه قوي في خصامه شديد، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخَصم”.
والفُجر في الخصومة مآله إلى الحسد والتباغض والهجران، فيقول الشافعي -رحمه الله -:
إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً.. فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا
فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ.. وَفي القَلبِ صَبرٌ لِلحَبيبِ وَلَو جَفا
فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ .. وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا
إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَة.. فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا
وَلا خَيرَ في خِلٍّ يَخونُ خَليلَه.. وَيَلقاهُ مِن بَعدِ المَوَدَّةِ بِالجَفا
وَيُنكِرُ عَيشاً قَد تَقادَمَ عَهدُهُ .. وَيُظهِرُ سِرّاً كانَ بِالأَمسِ قَد خَفا
سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها .. صَديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفا
فالواجب أن تتسم علاقتنا بالرحمة والمودة والألفة والمحبة والصلة، فصلة الرحم من واجبات المسلم تجاه أقاربه وأحبائه كما جاء في الحديث: ” ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها “.
والإنسان المسلم يعمل بأخلاقه وبما حثه الإسلام على فعله ولا يُقابل الناس بفعلهم،
“قال عبادة بن الصامت : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَأْثُرُ عن ربِه تباركَ وتعالى يقولُ : حقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحابِّينَ فِيَّ ، وحقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ ، وحقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ ، وحقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَباذِلِينَ فِيَّ “
فالمسلم من واجبه أن يتعلم الأخلاق الفضيلة وأن يعمل بها، من عفو ومغفرة وتسامح وأن لا يجعل للخصومة سبيل للعداء والأذى، فليس ذلك من رُقي المسلم وأخلاقه.
فقد قيل يومًا:
“إنَّ الكريم إذا تمكَّن من أذىً
جاءته أخلاقُ الكرام فأقلَعا
وترى اللئيمَ إذا تمكَّن من أذىً
يَطغى فلا يُبقي لصلحٍ مَوضِعا”
فالكريم والراقي من الناس من لا يعامل الناس في خصامه معهم إلا بكل حكمة وروي وهدوء، وذلك لأن وقت الخصام ذاهبٌ لا محالة وتبقى سيرته وما فعل هي الخالدة، فلا يعمل الإنسان بما يفعله الغير، بل يفعل بما حثه عليه دينه وسنة نبيه وما اتبعه الصالحون من بعد رسول الله، فإياك والفجر في الخصومة وإياك والهجر لأحبائك واقتد ما استطعت لرسولك الكريم، فإن الدنيا زائلة لا تدوم وعند الله تجتمع الخصوم.